الاثنين، 28 فبراير 2011

عفوا" ايّها الموت

مهيمن طفل صغيرمنذ ولد وهو هكذامتعلقٌ بوالديه...
ترعرع وهو متطلب ..تمتزج شقاوته بخجله فتضفي على طفولته غنجا"..لم يزل ذالك الصغير يتدلل..ويتشبث بأرجل ابيه فيرسم مشهدا" يضج بالحنان لاسيما حينما يتسلق والده ليجلس في حضنه..ويمدّ انامله الصغيرة ليتلمس وجه ابيه .. شاربيه.. ملامحه... اذنيه... ثم يلاعب خصلات شعره ..ويلتفت نحونا ويضحك ..
كان الجميع يضحك...وبالاخص ابيه كان الاكثرسعادة" ..وهو يحتضن صغيره..على الرغم من انه ليس وحيده ..فلمهيمن اربع اشقاء(بنتين، ولدين)
كان الصغير يكبر ...ومعه تكبر المحبة ..وقُبيل اقتراب  مهيمن من سن المدرسة..بات والده يخشى ان يؤثر دلاله وتعلقه بالصغير بمستواه الدراسي..
غير ان الموضوع لم يشغل باله طويلا"...اذ انه بعد شهرين من عيد ميلاد مهيمن اصيب والده بتوعك صحي..نقل على اثره للمستشفى ليعرف انه مصاب بـ(سرطان الاعصاب)...ظل الوالد في المستشفى يتلقى العلاج..ومهيمن في البيت يبكي ..ويسأل عن والده..فـ(يجيبه الجميع )..سيعود قريبا"..
مرّاكثر من شهر..والوالدفي المستشفى ..والزوار يدخلون ..ويخرجون..ومهيمن تعب من السؤال..وملّ من التطلع الى الباب..لعل (بابا)يحمل له لعبة جديدة ..
في يوم من ايام صفر..التي تتشح فيها شوارع العراق بالسواد..وفي ذكرى يوم حزين(وفاة الرسول محمد _ص_)...حملوا مهيمن الى بيت اقاربه..كي لايرى نعش الوالد المحمول على اكتاف الاهل .. متبوعا" بوفودا" من المفجوعين برحيله ..
واستيقظ مهيمن في الصباح على عويل النساء ..وصار يقضي ايامه محاطا" بالبكاء..والعيون الدامعة تتطلع اليه بنظرة الشفقة التي لايدرك فحواها..والافواه تتهامس (اويلي عليك يامدلل...اشلون راح تعيش يتيم.!!!)
صار يتيما" ...وهو يجهل معنى اليتم ..لكنه يعرف انه اختنق من الحزن..وشوقه لابيه يملؤه ضجرا"...وثمة سؤال صغير تمتلأ بها اعماقه..ويخشى ان يسأل..ومن يسأل ..والكل مشغول...اذن عليه ان يراقب الاخرين ..وينتظر لعله يجد في كلمات المحيطين به جوابا"...لكن السؤال لم يزل يلحّ عليه..(بابا وين..؟؟؟!!!.ليش لسه ما أجى..وجابلي وياه الماطور اللي وصيته عليه..؟؟؟!!!)
مهيمن لا زال منذ شهرين ...يتطلع الينا بنظرات مكسورة...وما عادت الحلويات والالعاب التي تملأ خزانته تسدّ الفراغ الذي خلفه الوالد...وكلمة(بابا)باتت جرحا" عميقا" موجع مرورها على الشفاه...




(الى روح عمي في ذكراه)