الأربعاء، 21 مارس 2018

أمي رائعة زاهي وهبي و أحمد قعبور / ريفيو

أتذكر بوضوح أول مرة سمعتها ، أتذكر أنني أعدت الاستماع لها دون توقف حتى تسلل الوسن الى عينيي الدامعة .. مستدعيةً بعض الصور من الذاكرة التي لمستها الكلمات فتوهجت .
معظم القصائد التي نحفظها ونرددها عن الأم تأتي بصيغة النداء ، تتضاءل فيها صورة المنادِي وتتضخم صورة المنادَى في خطاب فخم ومعانٍ تصاعدية ترسم صوراً أسطورية عن الأم الرمز (وهي غالباً تستحق ذلك)
لكننا هنا .. في هذه القصيدة نسمع شيئاً مختلف ، انها خيوط قصة مكثفة التفاصيل ..
أسمعوها معي ، أغمضوا عيونكم وتصوروا .. وقفتها على عتبة الدار تودع صغيرها وهو يلحق بركب الحياة ، باكراً يلحق بركب الشقاء .
بقامتها الضئيلة ، ضفيرتها القليلة وراحتيها المسكونة بالحنان والدعاء .
تقف متجلدةً بالصبر ، يحفرُ ظلها أثراً على الحائط لطول الانتظار .
" انها رؤية انسانية وصور شعرية لا تُرهق مخيلة المتلقي" كما وصفها الشاعر جهاد هديب .
وبالتوغل في معرفة حياة كاتبها الشاعر والإعلامي #زاهي_وهبي ، الذي امضى سني طفولته الاولى في غرفة ترابية تبني العصافير (السنونو) فيها أعشاشها ويتفجر داخلها ( ينبوع ) ماء صغير مع بداية كل ربيع ..
ونشأ في بيئة ريفية ساحرة ، منتمياً للبيئة الشعبية بموروثاتها وميثولوجياتها ومفرداتها ، فألف منها عالمه الشعري الخصب متجلياً بأروع المعاني فهو يعتبر نفسه شاعر الحب يكتب للمرأة الإنسانة لا الأنثى فحسب .
اما عن ظروف كتابة القصيدة ، فقد كان الشاعر الجنوبي على خطى أستاذه الفلسطيني في التصدي لتجربة الاعتقال عبر الكتابة لمن يحب وعن ما يحب .
كتب درويش لأمه عن خبزها وقهوتها ، وكتب وهبي عن أمه التي ملأت السفح بنذورها ورقياتها .
يقول وهبي في احد مقابلاته " لم تستطع زيارتي طوال سنة كاملة في المعتقل. فشاركت في تظاهرة نسائية على أسوار معتقل أنصار. ومن المفارقات الغريبة في حياتي إنني وعند لحظة خروجي من المعتقل وأثناء وجودي داخل السيارة العسكرية التي كانت تقلنا الى مدرسة الشجرة في صور وهي مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي ، شاهدت أمي بالصدفة تمشي نحو هذا المركز، وعندها لوّحت لها بيدي فصارت تركض وراء السيارة العسكرية الى ان وصلت الى المقر. ولا انسى هذا المشهد لأنه من اكثر المشاهد التي أثرت فيّ ."
بالعودة الى القصيدة المغناة التي ابدع الفنان اللبناني أحمد قعبور بتلحينها وأداءها .احسبها من الأغاني التي ترفع حسّ المتلقي الى مراتب الخشوع . 


( أمي) القصيدة المغناة بصوت أحمد قعبور