الأحد، 9 ديسمبر 2018

عن لائحة الانتظار .. و رحيل أميرة القصة العراقية

في عقد التسعينات كانت هناك حملات مختلفة من النظام لأشغال الناس ، تختلف شدة الحملة من مدينة الى اخرى حسب أجتهاد الحكومة المحلية للمحافظة أو حسب توجيهات القيادة .
السنين الاولى التي جاءت بعد أحداث ال1991 كانت هناك مخيمات المضربين عن الطعام أحتجاجاً على الحصار .
بعدها نشط عدي صدام حسين بـ(أنجازاته) عبر اللجنة الاولمبية حتى وصلت في أوجّها عام94 بأفتتاح تلفزيون الشباب الذي ساهم بتقديم فنانيين واعمال شبابية ما كانت لتجد فرصتها مع بيروقراطية اذاعة وتلفزيون العراق ، لكنها بالمقابل أيضاً أفرزت الكثير من التخريب للذائقة الفنية بسماحها لمن لا يمتلكون المعرفة أو الامكانيات بالعبث بالتراث و دعم أعادة انتاجه وتكرار بثها رغم سوء قيمته .
شملت الحملات اللاحقة للنظام تشكيل (ميليشيا) فدائيين صدام وكان قوامها من الطلبة المتنمرين في المدارس الثانوية من عمر 15 الى 18 ، اسعدت الحملة في بدايتها أدارات المدارس في التخلص من (العناصر الفاسدة _بنظرهم) لكنهم تفاجأوا فيما بعد حينما عادت تلك العناصر لتكون هي المتنفذة في الشارع ودوائر الدولة .
لم ينتهي الأمر عند هذا الحد فقد تبعتها حملت أشبال صدام للفتيان الأصغر سناً كان الامر أشبه بأعداد جيش الظلام بدلاً من تقويم المتنمرين أو معالجة سلوكهم كان يتم زيادة (توحشهم) أذ لم يكن تدريبهم معنياً بالانضباط كما في الجيش النظامي بقدر ما كان معنياً بجرءة المبادرة وزيادة مستوى العنف.
أستمرت عسكرة المجتمع بتشكيل جيش القدس عام 1998 وجيش النخوة عام 2000 ، في بعض المدن تم أجبار الطالبات والموظفات على الالتحاق به .
بعيداً عن جيش الظلام كانت هناك حملات أخرى مستمرة ومتداخلة مع بعضها البعض مثل حمى الكرنفالات التي تحتفي بمولد (سيادته) في 28 نيسان والتي (تصادف) مع (مولد) الحزب في 7 نيسان.
وقتها كانت تُنصب الـ(جوادر والخيم) في الشوارع الرئيسية وتحضر شخصيات مرموقة من القيادات لتقطع قوالب الكيك الفاخر بينما يتلمّض أبناء الشعب الجائع ويُسارع الـ(لهلوب) منهم ليُظهر ولاءه للسيد الرئيس والقيادة الحكيمة بغناء منفعل او الرقص بقوة عسى أن يناله الرضا وتصله قطعة من الكيك يسدّ بها جوعه ويسود بها على أقرانه .
عادت كل تلك الصور والأحداث الى ذاكرتي بينما كنت أحاول كتابة مقالاً تأبينياً للكاتبة العراقية #ديزي_الامير التي رحلت مؤخراً ورافق رحيلها صمت مرير . تجاهل رثاءها الكثيرون من القليلين الذين يعرفونها (ولا أعرف السبب) .
تذكرت كل تلك الاحداث لانني ما كنت سأعرف (الامير) لولاها . فقد شرعت أحدى حملات القيادة (عام 1999) بفرض تقديم المساعدة الدراسية (إضافة دراجات للسعي الدراسي) لكل طالب يتبرع ب3 كتب أو 3 لوحات.
راج سوق الكتب وقتها ، وجدت الكثير من مقتنيات المكتبات القديمة طريقها الى المشترين الذين لم يكونوا يعرفون الكثير عن ما يشترون ، المهم أنه يؤدي الغرض .
باع والدي وقتها مجموعة من كتبه ضمنها أعداد من مجلتي الافاق والاقلام التي كان يملك الكثير منها ، ثم أشترى (كونية) كتب من المتنبي جاء بها البيت لأقوم بفرزها قبل عرضها على المشترين النهمين .
كانت غنيمتي من تلك المهمة هو كتاب (على لائحة الانتظار) أحدى أشهر المجموعات القصصية لديزي الامير . والكتاب الوحيد الذي تعرفت من خلاله عليها .
تلك المجموعة ذات الحجم الصغير وعدد الأوراق القليل حملت لي جزءاً من روح الأدب النسوي العراقي فتشرّبت به روحي وقلمي .
تتضمن المجموعة عشر قصص بالإضافة الى إضاءة على السيرة الذاتية للكاتبة بقلمها حملت عنوان (قصتي مع الكتابة ) .
أكثر القصص تأثيراً في نفسي كانت ( أوراق من الأرشيف العتيق، على لائحة الانتظار ، حرائق الماضي ) .
نتيجة لتأثري بـ (الأمير ) تحولت وقتها من كتابة الخواطر الشعرية الى كتابة القصص القصيرة .
تبعتها لأني وجدت روحي بين سطورها . أفكارها الجريئة وأسلوبها المحتشم ، الاحتجاج الهاديء لقلبها الصاخب وهو يتأمل أحزانه ويبتسم لها .
الغريب أنني لم ابحث عنها كثيراً في النت بعد 2003 وأكتفيت بما قرأته في موقع القصة السورية . ربما كي لا تُثلم ايقونتها في ذاكرتي كما حدث مع الكثيرين من الرموز الذين امتلكوا مكانة مهمة عندي واذهلني ما ظهر منهم بعد 2003 وفي مواقع التواصل الاجتماعي .
سلاماً لروحكِ معلمتي ، سأذكركِ دوماً مهما تجاهلكِ العالم .