في وقت سابق لعصر الأفنجرز وسيطرة أفلام الابطال الخارقين على شباك التذاكر قدم كريستوفر نولان ثلاثية باتمان ، فنجحت كتحفة سينمائية أمتازت بمنح (الجوكر) ألد أعداء باتمان الكثير من الضوء .
جوكر نولان قام بأداءه الفنان الراحل هيث ليدجر و قيل أن دوره في الفيلم كان أحد الأسباب التي دفعت به نحو موته المبكر . لأنه حاول التعايش مع الألاعيب النفسية والأخلاقية المستفزةً في شخصيته الجوكر و مسؤولية الدفع بها لتكون على منصة الجاذبية الشعبية للمشاهدين.
تذكرت هذه الملاحظة وانا أتابع أحدث أفلام نولان لعام 2023 الذي يجسد سيرة حياة العالم ج. روبرت أوبنهايمر و ظروف صناعته لاول قنبلة نووية في التاريخ .
حاز الفيلم على الترويج والاهتمام بكل تفاصيله و كواليسه ( ككل أفلام نولان ) وحمل اسم العالم (Oppenheimer) مدعياً تقديم بورتريه لرمزٍ تاريخي أمريكي في مرحلة حرجة تقاطعت حياته الشخصية و المهنية مع الحرب والسياسة.
أعتمدت قصة الفيلم على خطّين زمنيين ، أحدهما على لسان لويس ستراوس تظهر بالأبيض والأسود وتمثل رأي المؤسسة العسكرية والأخرى على لسان (اوبي _أوبنهايمر ) تظهر ملونة وتمثل رأي العلماء يدعمها ما تقوله شخصية العالم ديفيد لورانس هيل (الذي أدى دوره رامي مالك).
في النصف الأول من الفيلم حاول صنّاعه أن يسوقونا لنكون في عربة واحدة مع شخصياته المتحمسة لصناعة القنبلة الذرية !
نقاشات العلماء المجردة عن معادلات كيميائية وحسابات رياضية و الصراعات بين الفيزياء والكيمياء كادت أن تنسينا ماهية المشروع الذي أشتغل عليه مختبر لوس ألاموس !
التجاذبات السياسية عن العلاقة الشائكة بين تحالف الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة شكّلت تمهيداً لأجواء النصف الثاني من الفيلم أذ أستمر اوبنهايمر و فريقه في صناعة سلاحهم الفتاك رغم هزيمة الالمان و انتحار هتلر و أختاروا تجربته على الأرض اليابانية و تفننوا في مناقشة تفاصيل أحداثياتالضربة في مشهدٍ سادي !
يُفترض أن يقدم النصف الثاني من الفيلم أنتقال اوبنهايمر من اب القنبلة النووية الى ناشطٍ في مسعى كبح جماح التسلح و السباق بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي (وقتها) لكنه لم يرتقِ الى درجة الاقناع .
و أذا قارننا بين أجواءه الى و أجواء فيلم قناص أمريكي للمخرج كلينت إيستوود الذي يحضر السيرة الذاتية لـ كريس كايل ، لأنهما يتشاركان تقديم السير الذاتية لأبطال الحروب الامريكية على شاشة السينما !
سنجد صعوبة في تحييد وجهة النظر الأخلاقية أثناء مراجعة هذه الأعمال.
بنى صانع فيلم American Sniper قصته على ان البطل كان أبن عائلة متدينة متحمّس هجر حلمه كـ(رجل كابوي ) و حمل على عاتقه مهمة أن يكون (كلب الراعي) وفقاً للوصية الدينية التي غرسها فيه والده وانتهى به الأمر صانعاً للأحسان ، مبرراً قتل ما لا يقل عن 160 شخصاً في العراق بينهم نساء وأطفال ، لكن على الأقل أظهر لنا الفيلم أشكال الضحايا ، ظروفهم ، قوتهم و أثر تدمير (البطل) لهم .
أما فيلم Oppenheimer فقد أخفق (من وجهة نظري) في تصوير الآخر وتهرّب من أظهار الجانب المظلم لبطله وعمد ضمن شربكة الأحداث الى تسطيح معظم الشخصيات .
لم ينقذه سوى الأداء المدهش لروبرت داوني جونيور في تقديم عمق الصراع بين العلماء والساسة في حقبة مكارثي.
في العموم تعتمد أفلام نولان على تتويه المشاهد بين مشاهد الأبهار و الألغاز البصرية لذا فالاطراء المرافق لأفلامه دوماً هو أنها عصية الفهم ، ميزة قد تناسب فضول المشاهدين و تخدم الترويج لأعماله لكن على المستوى الوجداني و الفكري تفتقد للاواصر المناسبة لمحاكاة الإنسانية .