الأحد، 28 فبراير 2021

ذكرى من زمن الخوف

كان صباح يوم بارد من أيام شباط من عام 2001

من الصباحات النادرة التي اخرج بها برفقة والدي ، فعادةً ما يسبقني نحو عمله . لكنه في ذلك اليوم تأخر لأنه مرتبط بدرسٍ تدريبي بالقرب من مدرستي وأختار أن يرافقني .

لم أكن أفكر بندرة ذلك اليوم لولا أن أُوقفت الحافلة التي نستقلها من قبل مسلحين يرتدون اللثام ، صعدوا الى الحافلة واخذوا يتفرسون بالوجوه ، يشيرون الى أحد ما ويقولون له : أنزل .. ، كان المشار له ينزل بلا تردد او نقاش .

عندها اطرقت افكر : ماذا لو وصلوا الى أبي وأمروه بالنزول ، ما الذي سيحدث ؟

أستعرضتُ في بالي كل الخيارات الممكن ان أقوم بها للحفاظ على والدي ، لكن وبكل أسف جميعها كانت تنتهي لصالحهم . أولئك الذين لم اكن اعرف حتى الى أي جهاز ينتمون ؟ هل هم عناصر امنية او عسكرية او حزبية ؟ و كيف ينتقون ضحاياهم ؟ والى أين يسوقونهم ؟

أستمر خيالي بتصوّر مشاهداً يأخذونه فيها امامي ، مددت كفيّ لا شعورياً نحو ذراعه لأتمسك به وكأنني كنت سأقوى على منعهم لأنتزاعه مني .

أدركت بعد لحظاتٍ من تحرّك السيارة اننا تجاوزناهم و هو لازال الى جانبي ، لكن الخوف لم يغادر قلبي .

وصلتُ الى المدرسة ، ووجدتُ أن صديقتي (هـ) شاحبة الوجه جاحظة العينين تستعد للعودة الى بيتها بعد أن صعقها خبراً مفاده ان والدها مفقود ، لا أثر له أو لسيارته وأخر من شاهدوه قالوا أن المسلحين ذوي اللثام أخذوه ، ولأن بيتهم كان لا يخلو من الأقراص الليزرية التي تحمل القصائد الحسينية والمحاضرات الدينية و أحاديث عائلتها كانت لا تخلو من النكات ذات التلميحات السياسية لذا فالتوقع الأقرب للذهن هو ان المخابرات مسؤولون عن أختفاءه.

فيما بعد أكتشفنا أن الملثمين هم عناصر حزبية منتدبة لأنتزاع (متطوعين) لأحد تلك التنظيمات العسكرية ( لا أذكر تحديداً جيش النخوة كان او جيش القدس  ..)

في تلك الليلة الباردة ، روّعت عوائلاً عراقيةً لا ذنب لها ، بأختفاء أباءهم الذين خُطفوا من الطرقات و حُشروا في قاعة مهجورة و باردة بلا فراش من بينهم كبار في السن ومرضى ، أراد الحزب ان يتباهى بتطوعهم أنصياعاً لأوامر (سيادته) وتوجيهاته لكنهم ماتوا على أثر ما مروا به.

أستعادت صديقتي والدها بعد ان افتدى نفسه بمبلغ كثير الاصفار وأستعادوا كذلك سيارتهم التي كانت سبب أنتقاء الحزبيين له كمتطوع !

***

شباط 2021

صادفني مقطع على وسائل التواصل لرغد أبنة صدام تتبجح فيه عن الآمن الذي عاشه العراقيون في عهد أبيها الحنون ..

أتراها لا تعلم أننا كنّا نجفل في كل صباحِ خوفاً على أبائنا من بطش أبيها و حماقاته الدموية !

الصورة من ساحة التحرير مظاهرات تشرين الاول 2019